من أدب الحكاية ( أعد المال المسروق ) بقلم الأديب ) سليمان سليمان

(( أَعِدِ المَالَ المَسرُوق ...))


بِالأَمسِ وَبَعْدَ تَنَاوُلِ طَعَامِ الغَدَاءِ ، وِكَالعَادَةِ كَونِيَ عَاطِلُ عَنِ العَمَلِ ، إِلَّا التَّفكِيرَ كَغَالِبِيَّةِ مُواطِنِيِّ العَالَمِ الثَّالِث ، الَّذِينَ نَلْجَأُ إِلَيهِ مَعَ الدُّعَاءِ لِلخَلَاصِ مِنْ مُعَانَاتِنَا ، وَقَهرِ أَعدَائِنَا .

استَسلَمتُ للنَّومِ ؛ أَمَلَاً في نَيلِيَ قِسطَاً مِنَ الرَّّاحَة ، لكِنَّ الَّذي حَصَلَ لَمْ يَكُنْ بِالحُسبَان .

جَاءَنِي شَيْخُ الأَحلَامِ كَالعَادَةِ ، وَأَخَذَنِيَ إِلَى بِلَادٍ لَا أَعرِفُهَا .

قَالَ لِّيِ : هُنَا سَتَكُونُ إِنسَانَاً آخَرَ ، وَسَتَعمَل .

سَأَعُودُ إِلَيكَ بَعدَ عَامٍ ، وَسَأَرَى حَالُك .

تَرَكَنِي وَمَضَى .

عَلَى الفَورِ أَخَذُونِي إِلَى المَشفَى ، وَتَمّ َ تَخدِيرِيَ .

بَعدَ الاِنعَاشِ غَادَرتُ المَشفَى ، وَأَنَا مُحتَارٌ فِيمَا حَصَلَ مَعِي .

سَأَلتُهُم عَمَّا جَرَى لِيَ ، عِلمَاً أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِأَيِّ آثَارٍ لِعَمَلٍ جِرَاحِيٍّ يَستَوجِبُ التَّخدِير ، فَكَانَ الجَوَابُ مِنهُم : لَاحِقَاً تَعرِفُ الجَوَاب . 

استَلَمتُ عَمَلِيَ الجَديد، مُحَاسِبَاً لِاحدَى الشركات ،

وَلََمْ يَحسُبُوا الأَموالَ المَوجُودَةَ في الخَزنَة .

قَلتُ فِي نَفسِيَ : طَابَتْ وَأَلله جَابهَا .

عَلَى الفَورِِ اخْتَلَستُ مَبلَغَاً مِنَ المَالِِ ، بَعدَ أَنْ قُمتُ بِتَزوِيرِ بَعضِ الوَثَائِق .

عِندَ نِهَايَةِ الدَّوَامِ كَانَتِ الفَضِيحَةُ الكُبرى .

سَكَاكِبنُ تُقَطِّعُ أَحشَائِيَ ،أَلَمٌ غَيرُ مَسبُوقٍ ، تَعَرُّقٌ شَدِيد .

صُرَاخِيَ كَانَ هَوَ الصَّوتُ الوَحِيدُ فِي المَكَان .

طَلَبتُ مِنهُم إِسعَافِيَ إِلَى المَشفَى .

لكِنَّهُم كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَهُمْ يَبتَسِمُون .

استَدعَانِي المُدِيرُ وَقَِالَ لي :  أَنتَ مُرتَكِبٌ وَمُخطِئٌ . اصلِخ خَطَأَك ،وَأَعِدِ المَبلَغَ الَّذي اختَلَستَه إِلَى مَكَانِهِ ، إِنْ كُنتَ مُختَلِسَاً ،  يَزُولْ الأَلَمُ عَنْكَ ، وَإِلَّا سَيَبقَى وَبِازدِيَادٍ ، وَلَا فَائِدَةَ مِنْ الانكَار .

قُلتُ لَهُ : وَكَيْفَ عَرَفتُم ؟ هَلْ تُوجَدُ كَامِيرَاتُ مُرَاقَبَة ؟

أَجَابَنِي : لَا 

القَانُونُ في بِلَادِنَا ،يَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ زَرعِ رِيشَةٍ فِي جَسَدِ  كُلِّ مُوَاطِنٍ ، تُوخِذُهُ وَبِشِدَّةٍ  عِندَمَا يُخطِئُ ، فَيَشعُرُ بِأَلَمٍ لَا يَزُولُ إِلَّا بَعدَ إِصلَاحِ الخَطَأ .

هَلْ عَرَفتَ لَمَاذَا أَخَذوكَ إِلَى المَشفَى عِندَ دُخُولِكَ بِلَادَنَا ؟

أَعِدِ المَالَ المَسرُوق وَامضِ بِسَلَام .

تَابَعتُ عَمَلِيَ لِمُدَّةِ عَامٍٍ كَامِلٍ ، مَاعُدتُ تَجَرَّأْتُ عَلَى مَدِّ يَدِي لِلمَالِ العَام .

حَضَرَ شَيْخُ الأَحلَامِ ، وَحَمَلَنِي عَلَى بِسَاطِهِ الطَّائِرِ ، وَرَمَى بِي مِنْ عَلٍ .

استَيقَظتُ مَذعُورَاً  ، وَأَنَا أَصرُخُ وَأَتَفَحَّصُ جَسَدِي: هَيَّا خَذُونِي إِلَى المَشفَى لِيُخِرِجُوا تِلكَ الرِّيشَةَ مِنْ دِاخِلِ جَسَدِي ، بَينَمَا كَانَتِ عَيُونُ أَهلِي ، نَذْرُفُ الدُّمُوعَ ، وَيَقُولونُ : يَا حَرَام ، لَقَد فَقَدَ عَقلَه .


...سليمان سليمان...

تم عمل هذا الموقع بواسطة