(( أَعِدِ المَالَ المَسرُوق ...))
بِالأَمسِ وَبَعْدَ تَنَاوُلِ طَعَامِ الغَدَاءِ ، وِكَالعَادَةِ كَونِيَ عَاطِلُ عَنِ العَمَلِ ، إِلَّا التَّفكِيرَ كَغَالِبِيَّةِ مُواطِنِيِّ العَالَمِ الثَّالِث ، الَّذِينَ نَلْجَأُ إِلَيهِ مَعَ الدُّعَاءِ لِلخَلَاصِ مِنْ مُعَانَاتِنَا ، وَقَهرِ أَعدَائِنَا .
استَسلَمتُ للنَّومِ ؛ أَمَلَاً في نَيلِيَ قِسطَاً مِنَ الرَّّاحَة ، لكِنَّ الَّذي حَصَلَ لَمْ يَكُنْ بِالحُسبَان .
جَاءَنِي شَيْخُ الأَحلَامِ كَالعَادَةِ ، وَأَخَذَنِيَ إِلَى بِلَادٍ لَا أَعرِفُهَا .
قَالَ لِّيِ : هُنَا سَتَكُونُ إِنسَانَاً آخَرَ ، وَسَتَعمَل .
سَأَعُودُ إِلَيكَ بَعدَ عَامٍ ، وَسَأَرَى حَالُك .
تَرَكَنِي وَمَضَى .
عَلَى الفَورِ أَخَذُونِي إِلَى المَشفَى ، وَتَمّ َ تَخدِيرِيَ .
بَعدَ الاِنعَاشِ غَادَرتُ المَشفَى ، وَأَنَا مُحتَارٌ فِيمَا حَصَلَ مَعِي .
سَأَلتُهُم عَمَّا جَرَى لِيَ ، عِلمَاً أَنَّهُ لَا وُجُودَ لِأَيِّ آثَارٍ لِعَمَلٍ جِرَاحِيٍّ يَستَوجِبُ التَّخدِير ، فَكَانَ الجَوَابُ مِنهُم : لَاحِقَاً تَعرِفُ الجَوَاب .
استَلَمتُ عَمَلِيَ الجَديد، مُحَاسِبَاً لِاحدَى الشركات ،
وَلََمْ يَحسُبُوا الأَموالَ المَوجُودَةَ في الخَزنَة .
قَلتُ فِي نَفسِيَ : طَابَتْ وَأَلله جَابهَا .
عَلَى الفَورِِ اخْتَلَستُ مَبلَغَاً مِنَ المَالِِ ، بَعدَ أَنْ قُمتُ بِتَزوِيرِ بَعضِ الوَثَائِق .
عِندَ نِهَايَةِ الدَّوَامِ كَانَتِ الفَضِيحَةُ الكُبرى .
سَكَاكِبنُ تُقَطِّعُ أَحشَائِيَ ،أَلَمٌ غَيرُ مَسبُوقٍ ، تَعَرُّقٌ شَدِيد .
صُرَاخِيَ كَانَ هَوَ الصَّوتُ الوَحِيدُ فِي المَكَان .
طَلَبتُ مِنهُم إِسعَافِيَ إِلَى المَشفَى .
لكِنَّهُم كَانُوا يَنْظُرُونَ إِلَيَّ وَهُمْ يَبتَسِمُون .
استَدعَانِي المُدِيرُ وَقَِالَ لي : أَنتَ مُرتَكِبٌ وَمُخطِئٌ . اصلِخ خَطَأَك ،وَأَعِدِ المَبلَغَ الَّذي اختَلَستَه إِلَى مَكَانِهِ ، إِنْ كُنتَ مُختَلِسَاً ، يَزُولْ الأَلَمُ عَنْكَ ، وَإِلَّا سَيَبقَى وَبِازدِيَادٍ ، وَلَا فَائِدَةَ مِنْ الانكَار .
قُلتُ لَهُ : وَكَيْفَ عَرَفتُم ؟ هَلْ تُوجَدُ كَامِيرَاتُ مُرَاقَبَة ؟
أَجَابَنِي : لَا
القَانُونُ في بِلَادِنَا ،يَنُصُّ عَلَى وُجُوبِ زَرعِ رِيشَةٍ فِي جَسَدِ كُلِّ مُوَاطِنٍ ، تُوخِذُهُ وَبِشِدَّةٍ عِندَمَا يُخطِئُ ، فَيَشعُرُ بِأَلَمٍ لَا يَزُولُ إِلَّا بَعدَ إِصلَاحِ الخَطَأ .
هَلْ عَرَفتَ لَمَاذَا أَخَذوكَ إِلَى المَشفَى عِندَ دُخُولِكَ بِلَادَنَا ؟
أَعِدِ المَالَ المَسرُوق وَامضِ بِسَلَام .
تَابَعتُ عَمَلِيَ لِمُدَّةِ عَامٍٍ كَامِلٍ ، مَاعُدتُ تَجَرَّأْتُ عَلَى مَدِّ يَدِي لِلمَالِ العَام .
حَضَرَ شَيْخُ الأَحلَامِ ، وَحَمَلَنِي عَلَى بِسَاطِهِ الطَّائِرِ ، وَرَمَى بِي مِنْ عَلٍ .
استَيقَظتُ مَذعُورَاً ، وَأَنَا أَصرُخُ وَأَتَفَحَّصُ جَسَدِي: هَيَّا خَذُونِي إِلَى المَشفَى لِيُخِرِجُوا تِلكَ الرِّيشَةَ مِنْ دِاخِلِ جَسَدِي ، بَينَمَا كَانَتِ عَيُونُ أَهلِي ، نَذْرُفُ الدُّمُوعَ ، وَيَقُولونُ : يَا حَرَام ، لَقَد فَقَدَ عَقلَه .
...سليمان سليمان...