ان من الحب ما قتل *
مقاربة سيكولوجية
لعدم اكتمال الحب -
وتحوله الى النقيض -
عالم الاجتماع وعالم النفس
الدكتور عبد الجبار شكري ( المغرب )
- باحث مشارك في مختبر الدراسات والابحاث بكلية الاداب والعلوم الانسانية بالجديدة/المغرب
- عضو بالجامعة العربية للشعراء والكتاب العرب
- الاتحاد الدولي للمثقفين العرب
- اتحاد الادباء الدولي / المركز
- اتحاد الادباء الدولي
- عضو بالاتحاد الدولي للادباء والشعراء العرب
- عضو بمؤسسة الشعراء والادباء والمبدعين العرب
- عضو باتحاد المثقفين العرب
عضو بمنتدى دار المنار العربي
- عضو بالموسوعة الحديثة للشعراء والادب العرب
- عضو بيراع الادب والثقافة شعر/قصة/نقد
- عضو ببيادر الامل للشعر والادب
_______________________
* ان من الحب ماقتل *
- مقاربة سيكولوجية لعدم اكتمال الحب -
- وتحوله الى نقيض -
تقول الشاعرة السورية الدكتورة ديمه اسامة عاشور ( الحب كما الحلم !!! دوما لايكتمل ) وادرجت هنا قول الشاعرة بذلك لان الشعراء هم ادرى بالنفس الانسانية وهم ايضا ادرى بالحب والياته وسيرورته . ونحن نعلم ان سيجموند فرويد اسس نسق الجهاز النفسي من خلال الشعر والشعراء واكتشف اللاشعور واليات الكبت وميكانيزمات دفاع الانا واكتشف كذلك هيمنة الانا وتسلطه ، من خلال السيرورة النفسية للشاعر المتجلية في شعره . فكان السند في مسيرته العلمية في ارساء الاسس العلمية لمدرسة التحليل النفسي، ثلاث عناصر اساسية ، هم :
اولا - الاسطورة والتاريخ
ثانيا - الشعر والفلسفة
ثالثا - الممارسة الاءكلينيكية
فاذا قمنا بتحليل نفسي لسيرورة الحب في تجارب الانسان ، اقول أن الحب لا يقتل، وانما لا يكتمل كاي تجربة انسانية في الوجود . وعدم الاكتمال في الحب يؤدي إلى التوافق على التنازلات بين الحبيبين من اجل ضمان سيرورة العلاقة في لذة نفسية/جسدية شبقية . لكن اذا تمادت هاته التنازلات من طرف واحد يجد نفسه انه فقد كينونته الانسانية التي هي التفكير والوعي والحرية والارادة. وفي موازاة ذلك يجد الطرف نفسه كذلك قد فقد كبراءه وكرامته وهويته الجنسانية واصبحت خاضعة وتابعة لارادة الطرف الاخر . من هنا يبدا الحب، يتحول الى نقيض ذاته وهي الضغينة والكراهية والانتقام ، قد تنتهي بانهاء العلاقة او احيانا قد تنتهي بالقتل والى ارتكاب جراءم بشعة وهذا ما يطلق عليه " ان من الحب ماقتل" .
ان الحب قبل ان يطلق عليه اي نعت من النعوت . هو قبل كل شيء ظاهرة إنسانية لها وجود فعلي على مستوى الوجدان ، بحيث يشكل حقيقة سيكولوجية ، كما يرى علماء النفس، أنها ناتجة عن تفاعل عشقي- جنساني، أي ناتجة، عن عشق الحبيب لمجموعة من الخصائص الموجودة فقط في الحبيب وليس في شخص اخر ، اما ان تكون خصائص جسدية جنسية أو مزاجية أوسلوكية ، بمعنى آخر لا يتولد الحب إلا عندما تكون عند الحبيب قيمة يضفيها على الحبيب.
أما مدرسة التحليل النفسي مع “تيودور رايك”، يرى أن الغرام يولد بعدم الرضا عن الذات لاشعوريا، والذي يولد استعدادات انفعالية في اللاشعور، تسبق مرحلة الحب العشقي كالقلق والفزع والاستياء. إن الحب في نظر “رايك” هو نتيجة الفرار من الذات، يصل في بعض الأحيان إلى كره الذات، ويتعب ويشقى من الاستمرار في البقاء مع ذاته، أي الاستمرار في أن يكون هو وأن يبقى هو أناه الذي يشكله.
ومن هنا اقول إن الأنا المثال المجسد في أنا المحبوب يجعل الشخص يشعر بالسعادة، والاعتزاز بالنفس، في كونه، أصبح يملك ما لم يكن يملكه في السابق. ونتيجة خوفه من فقدان هذه الانفعالات الإيجابية يتعلق الشخص بمحبوبه ويحبه كضمان للاستمرار فيما هو عليه.
لكن في لحظات التوتر والخصام بين الشخص ومحبوبه، يعي الشخص بفارق القيمة بينه وبين محبوبه، فيعي أنه في الواقع لا يستطيع أن يعيش بدون هذه القيمة التي تضفي عليه من قيمة منفعية سيكولوجية مزدوجة في علاقته بذاته ، وفي علاقته بالآخر، ومن ثم تستمر وضعية الحب ومعاناة العشق والغرام التي هي في الوقت نفسه معاناة فقدان الأنا النموذج المثال المجسد في الحبيب.
التي تتحول مع سيرورة التفاعل بين الحبيبن في التوتر والغضب والاهانات والاهمال والتخلي الى مشاعر الكراهية او الى مشاعر الانتقام التي قد تؤدي الى ارتكاب جريمة قتل . والقتل هنا هو ما يطلق عليه الناس " ان من الحب ما قتل "
لكن انطلاقا من تحليلي لسيكولوجية الحب فان هذه القولة تعني أن الشخص، يقدم على قتل محبوبه بسبب شدة الحب له، إذا تبين له أنه هناك خيانة، أو محاولة للانفصال عنه، أو إذا أصابه بأذى آخر، لأنه يرى في قتل المحبوب نهاية لهذا الحب، وبذلك يتم وضع حد للمعاناة والشقاء الناتجين عن هذا الحب.
إذا استخدمنا التحليل النفسي، سنجد أن القولة “إن من الحب ما قتل” في ظاهرها، لا تنطبق على الحب بمعناه المجسد في آلياته اللاشعورية الاستيهامية والواقعية ،
ما أود أن أشير إليه في البداية هو قولة “إن من الحب ما قتل” شائعة في المجتمعات الإنسانية ، وكأنها حقيقة مطلقة، صادقة في كل زمان ومكان، وكأنها صادقة بواقعيتها، وبحتميتها المصيرية.
إلا أننا إذا استخدمنا التحليل النفسي، نجد ان هذه القولة لا تعبر عن الحقيقة في شيء، إنما هي مجرد معتقد وهمي، يخفي وراءه حقيقة أخرى مخالفة تماما لحقيقة مضمون القولة، وهذا ما ينطبق عليه، ما يقوله الفيلسوف الالماني “فريد يريك نيتشه “في هذا الإطار “إن الناس يصنعون الوهم، ثم يحولونه إلى حقيقة، ويعتقدون فيها بشكل مطلق، وينسون أنها كانت وهما في السابق”يعني ذلك أنه إذا قمت بالتحليل النفسي للشخص الذي قتل محبوبه، فإن عملية القتل ذاتها ليست ناتجة عن الحب، بل هي ناتجة عن الضغينة والانتقام، ذلك أن القتل كعدوانية سادية تدميرية، لايستمر في حالة وقوع القتل. لهذا أقول إنه ليس هناك من (الحب ما قتل) وإنما هناك من الكراهية والانتقام ما قتل، ذلك اننا نجد ان انفجار المشاعر السلبية هذه، هي التي تؤدي إلى ظهور الرغبة في الانتقام من الحبيب، فتتخلص هذه الرغبة من سلبية الكمون والانتظار . لكنه نتيجة انحدار كبرياء الأنا وانجرا حيته المفرطة، تتحول الرغبة إلى فعل، فيقدم الشخص على قتل من لم يشكل موضوع حبه وقيمته، ويسقط كل أشكال العدوانية السادية، لينتزع أناه من سكرة الموت السيكولوجة ويحقق لأناه لذة النجاة من الموت السيكولوجي، ولهذا يقول الناس ” إن من الحب ما قتل “في حين أقول من خلال التحليل النفسي “إن من الحقد والانتقام ما قتل”.
الدكتور عبد الجبار شكري ( المغرب )
مقالة