(( الوَحشُ الهَارِب ))
اليَومَ وَبَعدَ فَترَةِ عَمَلٍ في الأَرضِ، جَلَستُ تَحتَ الزَّيتُونَةِ الصَّفْرَاوِيَّةِ، في الحَاكُورَةِ الشَّرقِيَّةِ، المُتَاخِمَةِ لِشَجَرَةِ البَلُّوطِ، الَّتي تَحكِي تَاريخَاً مِنَ الأَصَالَةِ والعَرَاقَة، بِمَا شَهِدَتْهُ مِنْ قَامَاتٍ تَفَيَّأَت بِظِلِّهَا، عَبْرَ مَرَاحِلَ مِنْ زَمَنٍ مَضَى.
وَرَغمَ بُرُودَةِ الطَّقسِ، آَثَرْتُ إِلَّا أَن يَكُونَ لِطُقُوسِ المَتَّةِ، وَجزدَانِ الدُّخانِ العَرَبي ( التّقيل) كَلِمَتَها.
خِلَالَ دَقَائِقَ كَانَتِ الطُّقُوس ُ قَدْ بَدَأَت.
النَّارُ مُشْتَعِلَةٌ، ودِفْؤُها راْحَ بِي فِي غَفْوَةٍ.
بَعْدَ فَترَةِ نَومٍ كانَت أَحلَامُها مُرعِبَة.
عَلَى غَيرِ العادَة،أَينَمَا تَجَوَّلْتُ أَرَى الكَثِيْرَ مِنَ الوُحُوشِ الكَاسِرَةِ، تُكَشِّرُ عَنْ أَنْيَابِهَا وَتُلَاحِقُنِي أَنا والمَلَايِيْنَ، الَّذيْنَ نَرْكُضُ وَهِيَ تَلْحَقُ بِنَا.
وَفَجْأَةً استَيقَظتُ عَلَى صَوتٍ مُرعِبٍ.
نَظَرتُ حَولِي وَإِذ بِوَحشٍ كَاسِرٍ يَجْلِسُ بِالْقُربِ مِنَ النَّار، جَسَدُهُ يَرْتَجِفُ، وَيَرْمُقُنِي بِنَظَرَاتِه الَّتي كانَت كالسِّهَامِ فِي القَلْب.
وَقَفتُ لِأَهْرُبَ، وَإِذْ بابْرِيقِيَ الأَسْوَد يَقولُ لِي : لَا تَهْرُبْ يا رَفِيقِي.
وَإِلَى أَينَ سَتَهرُب؟
هٰذا الوَحشُ لَا يَصْرُخُ تَحذِيرَاً لَكَ، وَلَا إِنْذَاراً بِأَنَّهُ سَيَأْكُلُك.
هٰذَا الوَحشُ هَارِبٌ مِنَ الوُحُوشِ البَشَرِيَّة، وَهُوَ يَصْرُخُ غَضَبَاً وَخَوفاً وَهَلَعَاً مِنْ هٰذِهِ الوُحُوشِ، الَّتِي بَاتَتْ وَحشِيَّتَها غَيرُ مَوجُودَةٍ فِي الغَابَة.
تَابِعْ طُقُوسَ مَتَّتِك وَلَا تَخَفْ طَالَمَا أَنتَ بَينَ هٰذِهِ الحَيَوَانَات.
_ بقلمي : سليمان سليمان