@@قلوب بلا حياة @@
"الحب منذ ازمنة مضت بالنصر لايظفر "
أجل ! أنا من مات قلبي!
ولم يبلغ الحلم بعد
يوم أعلنته منبوذاً
يعاقر دمعه ببنانه ..
لا تخبرني أنه مازال ينبض !
كثير من من المسميات تمتلك
قلوب ولكن بلا حياة !
مازل قلبي يتوشح بالسواد لواءه !
محمود على ذرى بيت القصيد
تهدمت أركانه حال الى خراب ..
لاتبحث عن قطرة لغة دافئة
تعيث حياة وتكتسي بدمائه .!
مبعد أنهكه الترحال !
يجوب أدغال الغربة !
يتسربل سحب الوحدة !
جوال على متن الزمن
يسكب الأهات شكاية مكلومة
هي مداد رثائه !
أه ياقلب !تائه أنت على أرصفة الغيم !
تسأل عن مأوى !
ومن يتكفل يوماً بشعب كفن بلوائه ؟
دعني أنتظر قطاراً مكتظاً
بالأماني الجسام
يمخر عباب السحب !
زائغة النظرات أبحث عنك وطني !
أستحث اللسان لينطق !
ليقول ماعجز القلب عن بيانه !
عبثاً !
كل الدروب إلى مثواك تقطعت !
أنهكني السفر بين أرتال الغيم !
أغزو السبع الطباق
أنبش في سدول الضياع عن خيمة !
سأنثرها في مهب الريح !
رسائل خافقة !
تندب رفاة أمة جبار ة !
مرهو نة ببقائه ..
قتلت تحت رايات مستوردة !
منها البيضاء و الحمراء والخضراء !
أي الحروف أرتدي لأكون جديرة بفدائه
أه والف أه ياقلب !
قتلوا فيك الإنسان !
قتلوا فيك اللهفة لصنع الحياة ..
فأين مثواك ومافعلت بك الأيام ياقلبي ؟..
سأبكي من الدمع أنهاراً
تخط القهر مراثي
تحكي لوعتي والحزن فتاك النوى !
يرديني يوم فراقه
د/زينب رمانة ..
--------------
#فلسفة-الحبّ_بين _الحقيقة_والمعاناة
#في_شعر_الدكتورة_زينب_رمانة
الحّب هو شعور داخلي وإحساس بانجذاب بين شخصين، هو نتيجة لتفاعل
كيميائي بين فردين... فالأدريلانين ،هرمون
الحبّ الذي من خلاله يتمّ الإنجذاب.. هذا
في التعريف العلمي
ما أوجب نقله وتفصيله هي تلك الحكمة
أو المقولة التي بدأت بها الشاعرة إستفتاح
قصيدتها وكأنَها معارضة شعرية.. أتت لتؤيد
تلك المقولة وتناصرها، بل هي أصبحت كمبدإ
تنتهجه الشاعرة، أو ربّما أدركت أنّ الحبّ غير
وارد بالنسبة لها رغم وجوده ورغم الإحساس
به ورغم الحاجة الملحّة له..
"الحب منذ ازمنة مضت بالنصر لايظفر "
فالحبّ منذ أزمنة مضت على الحرب التي تطحن سورية صار منعدما أو أنّه لا يظفر بالإنتصار..
هنا تلميح وتصريح في نفس اللحظة ولعلّ الشاعرة تذهب إلى أبعد من ذلك. الحبّ الذي
تقصده ليس بذاك الذي يُتداول بين الناس ولكنه
حبُّ الوطن، حبُّ النضال، حبُّ الإنتصار، حبُّ الحرية، حبًّ السيادة ، حبّ الإنتماء، حبّ الإعتراف بالوطن.. إذن الحبّ في فلسفة الشاعرة
ممتدّ التعريف، عميق المعنى، بليغ المغزى..
فلام النفي هنا "لا يظفر" أتت خبرا يقرع الأذان
ويدمي القلوب..
تخرج الآهة من قوقعتها، تزفر/تفرد /تنثر/
تعبّر/عن صمتها، فتقول تعالوْا أحكي لكم كيف
هو إحساسي تجاه الحبِّ..
"أجل ! أنا من مات قلبي!
ولم يبلغ الحلم بعد
يوم أعلنته منبوذاً
يعاقر دمعه ببنانه .."
هو الإعتراف والجزم بأنّ هذا الإحساس قد مات في القلب منذ صغرها.. وكانت كمثيلاتها أعلنته في المطلق.. ربّما الصدمة هنا غيّرت
كلّ المفاهيم والتعريفات، ربّما قصر الفهم
خلّف فجوة وفجوجا يتسرب من خلالها ألف
إحساس مغاير، وربّما أحداث أخرى قد تغيّر
ما بالمرء من إحساس.. هي أعلنته كباقي المخلوقات، جرّبته بطريقتها، سايرته ،لم يكن مطيعا بل كان منبوذا..، كان مسبوقا بالدموع
ممزوجا باللوعة، يترصده الفشل والخذلان..
"لا تخبرني أنه مازال ينبض !
كثير من من المسميات تمتلك
قلوب ولكن بلا حياة !"
حلحلة هذا المكتسب من الفكر، صار من الصعب تغييره أو النظر إلي غيره من التنظير
والتعريف، هو حتمية في معتقدها وتفكيرها..
فكانت الصرخة بـ "لا تخبر(نـي)" أداة نفي مع
فعل في النفي مع نون التملك، بلاغة أتت في
في صيغة التأكيد بأنها متأكدة بأنّه لا مجال للحب بصدرها وأنّها قد إتخذت قرارها، فلا تخبرني فيها تهكّم وفيها تأكد وفيها إستفسار
يعجّ بمطارحات جديدة نحو التعريف.. هل للحبّ
تعريفات أخرى غير التي أعرفها؟ هل هو ثلاثي
الأبعاد أم رباعيُّها، أم هو بشاكلة مغايرة تماما؟
وكيف يمكن اللجوء إليه في غياب صدر أرقّته
الصدمات؟ فكان طرحا جميلا لمفهوم الزمن والمكان أيضا، فمتى يحلّ هذا الحب؟ ولكن الشاعرة سرعان ما تسترجع ذاكرتها لتعلن
أنّه قد ترسّخ بها وأنّها تعلم أنّ كثيرا من القلوب
قد أنكسرت حتّى وان كانت بها ذرة من هذا
الحُبِّ..
“مازل قلبي يتوشح بالسواد لواءه !
محمود على ذرى بيت القصيد
تهدمت أركانه حال الى خراب ..
لاتبحث عن قطرة لغة دافئة
تعيث حياة وتكتسي بدمائه .!
مبعد أنهكه الترحال !
يجوب أدغال الغربة !
يتسربل سحب الوحدة !
جوال على متن الزمن
يسكب الأهات شكاية مكلومة
هي مداد رثائه !“
ولئن كان هذا المفهوم يطغى على مخيّلة الشاعرة، ويأخذ جانبا من فكرها وفلسفتها، فإننا نجدها تعلل فكرتها بشواهد معيشة أو تجارب
شخصية عاشتها برمّتها.. ففي مطلع هذه المقطوعة من القصيد بدى السواد يوشّح فكرها وإحساسها بأنّ ليس للحبّ مكانا في قلبها. وأنّ هذا اللقلب قد لقي من الكمدات ما جعله يقفل
ويحكم قفل الأبواب ولا ترى بدّا في صقل هذا
الحب فتنبري تذكرُ إياه على صفحاتها وفي قصائدها.. هل هو الخجل؟ أم هو عدم اليقين
فيه؟ أم هو التحدي لتحديها؟ أم هو المروق
عن المألوف؟ هل أنّها تريد كسب الرهان وتعلن
أن تعال يا حبّ إن كنت قادرا على النيل من قلبي؟ أم أنها فعلا تستحق هذه القيمة الحياتية
فتنتعش مثل غيرها؟ كمّ هائل من التساؤل تسرّبه في مطلع هذه المقطوعة..
هي تشكو حالة شكّ، حالة يأس، بل حالة
قنوط بمعنى الكلمة. أهو الإستسلام أم هي بداية
لمعركة حياتية؟ ولعلّ حالة الحرب التي تعيشها
وتلك الفزّاعات والويلات وهذا المداد المتواصل
للنزف والقهر والتشرّد ما جعلها تنفي تماما وجود
الحبّ.. فزينب رمانة هي من أصول دمشقيّة عانت الأمرين أثناء هذه الحرب الأخيرة.. حيث
فقدت الأحباب وأبناء الشعب والرموز في بلدها
والحبيب والصاحب والرفيق.. "حقّ لها ذلك.."
ويحلو لها بدل الحبّ الرثاء، لأنْها لم تصرّح علنا
ولكنّها أوردت ذلك تلميحا بأنّ من كانت تحبُّه
قد كفِّنَ باللواء، إذن هو شهيد الوطن فهي لا تنكفئ تذكره ولن ينفتح هذا القلب لغيره، فهو الوفاء أم هي حرب إستنزاف شنّتها عليه؟ فهل
تستمرّ هذه المطحنة وهل تظفر بالنصر؟ أم أنها
تنهار بمجرّد الحنين والفقدان للسند؟ لنرى ذلك
في هذه القطعة الأخيرة
“أه ياقلب !تائه أنت على أرصفة الغيم !
تسأل عن مأوى !
ومن يتكفل يوماً بشعب كفن بلوائه ؟
دعني أنتظر قطاراً مكتظاً
بالأماني الجسام
يمخر عباب السحب !
زائغة النظرات أبحث عنك وطني !
أستحث اللسان لينطق !
ليقول ماعجز القلب عن بيانه !
عبثاً ! “
زفرة وتأوهٍ مصحوبتان بحسرة لا يمكن إخفاؤها، فالقلب الذي كانت تتحدّث عن جلده
وجسارتة إنفطر وصار لينا، تقاذفته الأقدار بين
الجلد وبين الإنصياع نحو الشعور النبيل حتى وإن كان صعب المنال.. هي الحقيقة إذن لا يمكن للمرء بحال من الأحوال اي يعيش كراهية سرمدية أو حبّا سرمديا بل هو يتكيّف حسب
الحالات عبر الزمكان.. ثمّ من هناك تدهشنا بتعرية كاشفة، للحديث عن سبب تفنيدها لمعنى
ومفاهيم وتعريف الحبِّ.. والسبب هو ما حدث
ويحدث لشعبها من تقتيل وتشريد ولجوء.. وتلك
الإبادة التي حظي بها أثناء الحرب الطاحنة..
فالحبُّ المفقود إذن هو الوطن ذاته وقد ثبت ذلك
في قولها
"زائغة النظرات أبحث عنك وطني !"
فنظرتها وتفكيرها وثقافتها أصبحت في غنَى
عن التفكير ولو للحظة في الحبّ طالما وانّه
فقد في حالة حرب ضروس طحنت شعبها..
فحالما إستقرّ هذا الوطن إستقرّت حالتها النّفسية.. ولقد وجدت طريقها في الحديث عن
هذا الحبّ المنزوع منها.. لم يكن القلب قائله
بل كان اللسان.. وأيضا اللسان كان مقيّدا، يبحث
عن من يفكّ قيده وهو القلم..
“كل الدروب إلى مثواك تقطعت !
أنهكني السفر بين أرتال الغيم !
أغزو السبع الطباق
أنبش في سدول الضياع عن خيمة !
سأنثرها في مهب الريح !
رسائل خافقة !
تندب رفاة أمة جبار ة !
مرهو نة ببقائه ..
قتلت تحت رايات مستوردة !
منها البيضاء و الحمراء والخضراء !
أي الحروف أرتدي لأكون جديرة بفدائه
أه والف أه ياقلب !
قتلوا فيك الإنسان !
قتلوا فيك اللهفة لصنع الحياة ..
فأين مثواك ومافعلت بك الأيام ياقلبي ؟..
سأبكي من الدمع أنهاراً
تخط القهر مراثي
تحكي لوعتي والحزن فتاك النوى !
يرديني يوم فراقه “
كانت نهاية القصيدة النثرية للدكتورة : زينب خلاصة لمَ سبقها من تلميح فأتت
معلنة أن كلّ هذا الذي تحمله من صدود لمعنى
الحبِّ سببه ليس الحبيب وليس الزوج وليس العشيق، بل كان عشقها وزوجها وحبيبها هو الوطن المذبوح والمصلوب.. وكأنّ الشعب السوري
برمّته صار فردا واحدا وكأنها جمعت كلّ الطوائف، وكأنّها في مخيّلتها وحّدت قبر كلّ اللذين لقوا حتفهم بمعنى إبادة جماعية..
“تندب رفاة أمة جبار ة ! “
لنحوصل إذن فنقول بأن ما حصل مع الشاعرة، هي فترة حرب غيّرت كلّ الموازين
والمفاهيم والقيّم.. ولعلّنا نعلم مليّا أن خلال
الحروب تنعدم الإنسانية وتسكننا قيم وحشية
صادية..
القصيدة جاءت نثرية مجزّأة إلى فقرات، ورّبما
هنا بانت قوّة القصيدة.. لأن النص النثري لا يأتي
بفكرة موحّدة بل يأتي منفتحا..
رغم انه يطرح بعدا فلسفيا راوح بين الحبّ كفكرة مطلقة والمعاناة متوسلا بالذاكرة الجمعية السردية وهنا تكمن مهارة الشاعرة في توظيف السرد للشعر أي ترويض الحكاية الى صورة ايحائية ترميزية لتنسج قصيدها لذلك قيل بأنّ الشاعر هو نساج فيمتلك الشاعرية من خلال بنائه ومجازه المتجاوز الزمكان من خلال مخيال خصب ووثير والنسج هنا هو من اعار للنص الاسم ليصبح قماش الرؤى وما يريده.
الشاعر في لحظة مكاشفته المتوارية لحظة الميلاد العظيم لنسغ الكلام واعلم أنّ كتابة الشعر فخّ مكيدة ومصيدة قلَّ من يخرج منها حيا لذلك يقول النقاد " وخاصة د- محمد لطفي اليوسفي " في كتابه " لحظة المكاشفة الشعرية " ان الشاعر حين يكتب فهو يكتب حتفه -- واعود واقول ان النص يسمى بالفرنسية Texte اي texture ; وباللاتينية texto اي نسج وقماش وهنا الشاعرة في هذا القصيد متمكنة ولها دربة رغم ان منسوب القصيد مرات ينقطع وكأننا إزاء عدّاء لا يتوقف حتى لجرعة هواء وأنت لا تتوقف عن مجاراته ’ وهي ما عبر عنها " الان بارت" بالبحث عن " متعة النص" في كتابه " لذة النص" ...لذلك فقصيد النثر ليست له وقفات بل هو مفتوح لانه مربك ومتشظي ومتوالد الدلالات ومثير التأويلات لان له بوابات معنوية وانزياحية شتى. وهو لعمري حرية الاقتناص والتفاعل فياتي على طقوس عدة ’ لذلك سمى "ادونيس" قصيدة النثر بفن الخروج وهي الآن تعتبر من الفنون الانسانية لانها تستعمل أكثر من فن وتشترك في أكثر من رؤيا وتجريد وتشكيل واختراق وابتكار وانظر ما قال ابو حيان التوحيدي : " أحسن الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر، ونثر كأنه نظم " ( أبو حيان التوحيدي " الامتاع والمؤانسة " الليلة الخامسة والعشرون " وهي عبارة لفتت أنظار النقاد إليها، ولك ما قال" درويش "بعد أن قام بمراجعات حول قصيد النثر وكان لا يطيقها واعتبرها ستسيء للشعر العربي ولكنه قبل موته بسنتين كتب ديوانيه نثرا : " أثر الفراشة " و" كزهر اللوز أو أبعد" هكذا قال درويش : " أعلم أنني سأتهم، مرة أخرى، بمعاداة شعر الحداثة العربية التي يعرفها العصابيون بمعيارين؛ الأول: انطلاق الأنا على محتوياتها الذاتية دون السماح للداخل بالانفتاح على الخارج. والثاني: إقصاء، الشعر الموزون عن جنة الحداثة. فلا حداثة خارج قصيدة النثر " (ص4). ( انظر الكرمل ع 85/ العام 2005 )/ (منقول)